مجتمع

السنّة في لبنان والدور المفقود ….د.أيمن عمر.

خلال التاريخ اللبناني الحديث، لم يستشعر السنّة في لبنان بهذا القدر من حالة الوهن والضعف التي يعيشونها اليوم في ظل تطورات المنطقة وتبدّل موازين القوى. ولم يعد خافياً على جميع القيادات سواء السنّية أو الوطنية حالة الإحباط المتراكمة في قلب الطائفة السنّية والتي زادت من حدّتها نتائج الانتخابات النيابية والاستحقاقات الدستورية اللاحقة، وما لذلك من ارتدادات سلبية على مستوى الوطن ككل باعتبار أهل السنّة في لبنان هم بيضة القبان في التوازن الداخلي وهم صمّام أمان للسلم الأهلي مهما اختلفت الظروف والموازين.

جاءت الانتخابات النيابية وما أسفرت عنه من نتائج مخيّبة للشارع السنّي، حيث لم تفرز أي من القيادات الواعدة أو الأحزاب والتيارات، التي من الممكن أن تعيد لأهل السنّة دورهم ومكانتهم في اللعبة السياسية المحلية والخارجية. تشتت السنّة أفراداً أو ضمن تكتلات لا وزن لها، وبالمقابل تكتّلت الطوائف والمذاهب الأخرى ضمن ثنائيات (الشيعة والمسيحيون) أو آحادية الزعامة (الدروز).

من المسؤول؟؟

يمكن ارجاع حالة انهزام الشارع السنّي لعدة عوامل منها خارجية وأخرى داخلية، العوامل الخارجية:

1- انكفاء المملكة العربية السعودية عن دورها في دعم السنّة في لبنان نتيجة فقدان الثقة بالقيادات الداخلية بعد تجربة 3 عقود من الزمن وبنتيجته تم تسليم قيادة الشارع السني إلى طرف آخر (القوات اللبنانية) تجلى ذلك بوضوح في الانتخابات النيابية. مما زاد من حالة الإحباط السنّي لشعورهم بالخضوع إلى راية لا تمثّلهم.

2- ضعف السنّة في لبنان مرتبط بحالة التشرذم العربي البيني وتأجّج الصراعات الداخلية ما بين الأخوة وتبدل المواقف العربية تجاه القضايا المصيرية وغياب الرؤية الموحدة والمشروع المتكامل لإعادة الاعتبار للأمة العربية والإسلامية. السوري والعراقي واليمني يعيشون في حروب دموية، مع تشريد الأطفال والنساء والعجائز وبنى تحتية مدمرة. المصري الفارغ فاه للقمة عيشه لسدّ بطنه الخاوي يتقلب في المواقف المصيرية بحثاً عن موارد مالية تبعده عن الثورات الشعبية فغابت المرجعية التاريخية لمصر وتاه مصدر الثقل للقوة والعزّة العربية. والمغرب العربي بعيد كل البعد عن القضايا العربية ويميل الى أوروبا ثقافةً وحضارة ولغة وتراثاً أكثر من عمقه وجذوره التاريخية.

3- انتصار إيران في المنطقة وتأثيرها على الداخل اللبناني: استطاعت إيران في بُعدها الفارسي من أن تكون لاعبا أساسيا في 4 عواصم عربية: العراق – سوريا – اليمن ولبنان. وقد استطاعت ايران أن تفرض نفسها كلاعب أساسي إقليمياً ودولياً أعطت لنفسها الشرعية الدولية، وهي توفر لامتدادها اللبناني- حزب الله- كل ما يتطلب من أموال وسلاح وخبرات.

أما العوامل الداخلية فهي:

1- قرار الرئيس سعد الحريري وبضغط من السعودية ترك العمل السياسي، دون وجود بدائل لشخصيات أو تيارات تستطيع استقطاب الشارع السنّي، فتكرست حالة التشرذم والضياع والإحباط.

2- غياب المشاريع والحراكات التي تؤطر السنّة ضمن هيكلية موحدة تكسبها تماسكا واتحادا وقوة. وابتعاد قيادات سنّية كبيرة وتمتلك إمكانيات هائلة في هذا المجال عن القيام بهذا الدور مثل الرئيس نجيب ميقاتي الذي يكتفي بالأعمال الخيرية الاجتماعية وانتظار الفرص لاستلام دفّة رئاسة الحكومة.

3- انعدام دور دار الفتوى الجامع والمحرك لمشاريع الاستنهاض والتأثير ذات البُعد الوطني، وضعف شخصية المفتي، مما أضعف من دور المؤسسة الدينية المرجعية وإمكانية إنشاء كيان قوي يلتفّ حوله السنّة في لبنان.

4- غياب النُخب والفعاليات المجتمعية عن القيام بدورهم المطلوب، والاكتفاء بالتذمر والتأفف وإشعال الحروب الكلامية والتغيير الفايسبوكي.

تصحيح المسار: فلسطين القضية والبوصلة

لا بد من تصحيح المسار للوجود السنّي في لبنان عبر عملية استنهاض حقيقية يشارك فيها الجميع ضمن مسؤولياتهم الوطنية وانتشال السنّة من مستنقع السلبية إلى آفاق الاندفاعية والايجابية. نحن أمام تحولات كبيرة واستراتيجية على مستوى المشهد السياسي الداخلي القادم، وأمام فرز جديد ذو امتدادات خارجية. لا بد من مشروع سنّي وطني يؤطر الجميع تحت رايته ضمن عناوين وطنية وعروبية وإسلامية واضحة لإعادة التوازن إلى البيت السنّي ولملمة شتاته. الشيعة لن يحيدوا عن عمقهم الإيراني، المسيحيون يحتضنهم عدة أطراف إقليمية ودولية، وتبقى الإشكالية الكبرى: أين هم أهل السنّة؟؟

السنّة اليوم أمام مفترق طرق في تحديد خياراتهم وعودة دورهم التاريخي في نُصرة القضية الفلسطينية وهي المعبّر الحقيقي عن هويتهم الأصلية وثقافتهم السياسية، وهذا ما يعيد لهم دورهم الوازن محليا وخارجيا.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »